شعر :: طريق - حسن حمادة


سَماءٌ تُعَرْقِلُ مَن يَحْلُمُون
وأرضٌ بِطعمِ المَقاهى
تُحيطُ المدى
دُروبٌ تَشُقُّ البُيُوتَ صُفوفاً
تَميلُ إلى اﻷرضِ مثلَ النخيلِ المُسِنِّ
رَصيفٌ وآخَرُ ﻻ يَسْمعان سوى ما تدلّى 
مِنَ العابرينَ بلا أيِّ قصدٍ
وبَينَ الرَّصيفَينِ جرحٌ طَويلٌ

*****

تَمُرُّ عَجوزٌ، 
ووقتٌ عَتيقٌ، 
خُطاها كَما سُلحُفاةٌ،
تُحاصِرُ بعضَ الحَنايا الجُفون،
ويَطفوا عَلَيها عناءُ المشيب
فكانت تُربى الحنينَ على وجْنَتَيها
وَتُدْفِءُ حِضْنَ الزُّهورِ أمامَ المَرايا 
وتَذْكُرُ عُمْراً مَضَى بَينَ خفقَةِ قَلْبٍ وَأُخْرى
وتَطْرُقُ جَفنَ المَسَاءِ لِيصْحو الصباحُ
تُناجيهِ فى خَجَلٍ
لو تُذابُ النُجُومُ بكأسِ النَبيذِ
سَتَسْقِى اﻷَحِبَةَ حتَّى اﻷبَدْ

*****

يَمرُّ المُسَافِرُ بَينَ السَماء
يُنادى بِهَمْهَمَةٍ لِلصِبا
ياصَديقى
سَآتى إِلَيْكَ بِيَوْمٍ 
وأَذْكُرُ تِلْكَ الدُموعَ
بِوَقْتِ العَصَارى 
وأُمِّى تُدَاعِبُ شَعْرى
تَقُول :سَيُسْدَلُ وَجْهُ الطُفُولَةِ قَبْلَ اﻷوان

*****

ويَمْشى صَديقانِ فَوقَ النَجيلِ 
يَقولانِ ياللمَغيب
وبَينَ القُلوبِ يَضيقُ المدى
صَديقٌ تَسائَل:
فتاتي الجميلةُ
كيف تجيئُ؟
جيوبى بلا أيِّ ضَيفٍ عَزيز
أَظَلُّ أُراقِبُ فَجْراً فَفَجْراً وعُمراً فعُمراً
وﻻ أيُّ شيئٍ جديد
يقولُ أبى:
إن تحب الحياةَ سَيأتيكَ غَدْ
وإنى رَأَيتُ غَدى ﻻ يُحبُّ المجيئ

*****

يَمُرُّ
رِجال
نِساءٌ
حَياةٌ 
ونَحِمُلها فوقَ أكتافنا 
مثلَ طِفلٍ شَهيد
طُيورٌ تُعانِقُ وقتَ المسا ظِلَّها
وصَوتُ الجميلةِ تَزعقُ: إنى أُحبُّ
وأُمٌّ تُنادي ابْنَتَيها لألّا تَغيبا
هُناكَ لُصوصٌ تُجيدُ اصْطيادَ الفَراش 
يَموتُ الفَراغُ انكِساراً 
ويَجرى السَحابُ بِغارةِ صيفٍ 
تَمُطُّ الوَجع
ويسترقُ النورَ وجهٌ عبوسٌ إذا ما حَلُمنا
وَنَحْلُمُ تَأتى السَّماءُ تُعَرْقِلُ مَن يَحْلُمُون
طريق ٌمَديدٌ على عاتقِ المَرْءِ يَحيا
وتَقْسو عليهِ أكفُّ الحياةِ
وتَبقى الدُروبُ 
على دَفَّتَيها بُيوتٌ
تُطِلُّ النَوافِذُ منها 
على العابرينَ
الذينَ أَحَبُّوا الحَياة

تعليقات